مقالات
أخر الأخبار

أرض السرد: مدينة دبر ماركوس “الجزء الثاني”

أرض السرد: مدينة دبر ماركوس “الجزء الثاني”
عبد العزيز بركة ساكن
روائي سوداني
بنظرة تاريخية مختصرة لمدينة دبرماركوس التي تقع في قوجام – امهرا على ارتفاع 4.220 متراً فوق سطح البحر، نجد انها كانت عبارة عن قرى متفرقة يسكنها الفلاحون والرعاة إلى أن قام الملك تكلاهامنوت- في عصر ملك اثيوبيا منليك- باتخاذها عاصمة له وأشرف على تعميرها وبنى فيها قصره العظيم على قمة جبل يطل على المدينة حتى يستطيع أن يراقب المدينة كلها من شرفات قصره، وما تزال بقايا القصر ومبنى المحكمة الحجري قائمان إلى الآن. الملك تكلاهامنوت هو الذي اعطى المدينة الاسم الجديد عندما قام ببناء كنيسة القديس ماركوس 1870، وقد كان الملك تكلاهامنوت محبا للفنون، لذا اتى بفنانين تشكيلين من مدينة ولقا Wollega وعلى رأسهم التشكيلي الشهير أليكا تكليسوس واجيرا Aleka Takleyesus Waqiira، لينجزوا لوحات من التوراة والإنجيل على الجدران الداخلي وسقف الكنيسة مما جعل منها تحفة متفردة “ولكن للأسف لم يسمح لنا السدنة بالتقاط صور من تلك اللوحات نسبة لقُدسية المكان”. بعد عودة هيلا سلاسي من الخرطوم أو المنفى الشاسع الذي مضى إليه هروبا من الايطاليين الذين استعمروا اثيوبيا لفترة قصيرة (1935-1941)، شيد في مدينة دبرماركوس قوس النصر العملاق في العام 1945 الذي هو شبيه بقوس النصر في فرنسا في شارع الشانزلزيه ميدان شارلي ديغول الذي بدأ العمل به نابليون بونابرت ولم يكتمل انشاؤه إلا في العام 1836 بواسطة فليب الأول وعلى الرقم من وجود البصمة الأثيوبية الخاصة التي تتمثل في نحت بعض أدوات القتال الأثيوبية التقليدية وأسد صهيون Lion of Zion على قمة القوس حيث كان يعتبر هيلا سلاسي إن اصوله تنحدر من الملك سليمان الحكيم وذلك يفسر سر نجمة داود في العلم الأثيوبي والتي تعني ايضا تضامن الشعوب الأثيوبية وضُمِنَ ذلك في نص الدستور الاثيوبي السابق الذي وضعه الامبراطور أو ملك الملوك هيلا سلاسي نفسه، وليس بعيداً عن مدينة دبروماركوس يُوجد كُبرى النيل الأزرق الحديث العملاق بجوار الجسر القديم الذي أمر ببنائه هيلا سلاسي، فعند عودته من المنفى عبر مدينة دبروماركوس إلى اديس اببا، واجهته عقبة عبور النيل الأزرق الثائر دائماً في كل فصول السنة، فقال لمرافقيه: “يجبُ أن يُبنى هُنا جسراً”.
من أجمل ما في تلك المنطقة جبل شوكوكي الذي يبعد حوالي 30 كيلو مترا عن مركز المدينة وهو احد مصادر النيل الأزرق حيث يُوجد به النبع العظيم للمياه وتُحاك الأساطير الشعبية حوله وكما هو معروف ان مصدر مياه النيل الأزرق الآخر يوجد في مدينة بحر دار وهي بحيرة تانا. ويميز تلك المنطقة أيضا التسامح الديني، حيث يتعايش المسلون والمسيحيون في سلام تام، وتجد في اسرة واحدة أبا مسيحياً وأما مسلمة وأبناءً مسلمين وآخرين مسيحيين ومثلها مثل المدن الأثيوبية الشمالية تُوجد بها في السابق الجاليات اليهودية. ومن غرائب الأشياء أن هنالك كنيسة قريبة من شلالات النيل الأزرق بها مُصلى للمسلمين. فالأثيوبيون يعتبرون الدين سلوكاً شخصياً. هنالك أشياء كثيرة تجمع الاثيوبيين بكل دياناتهم: الانجيرا “كسرة الخبز” والشيرو “الإدام”. لا يأكلون لحم الخنزير والطيور الكبيرة. يكثرون من أيام الصيام. يشتركون في التوقيت الأثيوبي العملي حيث تبدأ الساعة الواحدة صباحاً عندما يصل الناس مواقع عملهم وهي ما تساوي السابعة في التوقيت العالمي وفقاً لموقع اثيوبيا في الكرة الأرضية، ويشتركون في الرزنامة التي تخص اثيوبيا وحدها حيث أن بالسنة ثلاثة عشر شهراً بالتالي هذا العام هو 2011 وليس 2019. يشترك الأثيوبيون في الاستيقاظ مبكراً والقلوب الطيبة وحب العمل وشرب الشاي مختلطاً بالقهوة والقهوة بالملح. تجمعهم اللغات و: “إشي” التي تعني حسناً، وعندما يقول لك الأثيوبي إشي، عليك ان تطمئن، وان كل شيء يمضى على ما يرام.
جامعة دبر ماركوس هي الجامعة الوحيدة في المدينة، وقد أُنشأت حديثا في تسعينات القرن الماضي. الفكرة العظيمة وراء الرحلة إلى المدينة هي تحويل جامعة دبروماركوس إلي مركز للآداب الاثيوبية وذلك بدعم قسم الآداب والثقافة الذي سُمي على الأديب حديث ألمايو، وتأهيله لأداء المهمة. البروفسير ابيبي زقي، وهو موظف حكومي رفيع المستوى ومسئول عن تأهيل الجامعات الإثيوبية حيث أن له خبرة عملية طويلة في جامعات امريكية وأوربية ومؤلف كتاب العودة المستحيلة “The impossible return” ويُعد أهم مرجع عن مأساة اليهود الأثيوبيين في إسرائل. كان متحمساً وعارفاً وهادئا جداً، واستطاع أن يقنع ادارة الجامعة بالمشروع، بل العمل مباشرة في تنفيذه، تمت كتابة العقود واُعدت خطة التمويل والتأهيل وأُنشأت لجان الترجمة وجمع النصوص، ووكل لي دور قيادة المرحلة الأولي التي ستنتهي في شهر يناير العام القادم 2020. ومن مخرجاتها المتوقعة، ترجمة ثلاثة وعشرين أديبا وأديبة يكتبون باللغات المحلية إلي العربية والإنجليزية، كأول ببلوغرافيا للسرد الاثيوبي سيتم نشرها في دارRSP الامريكية متزامنا مع نشر داخلي شعبي بثلاث لغات في مجلد واحد: الأمهرية والعربية والإنجليزية، في محاولة للاتصال بالعام الخارجي.
الكتاب المقترح يحتوي على عشرين قصة قصيرة، كُتبت بلغة الامهرا، ونُشرت في اثيوبيا، بذلك لم يتطلع عليها سوى القراء الاثيوبيين الذين يجيدون لغة الامهرا وبعض الباحثين الاكاديميين وطلاب العلم، فالكتاب سيمثل حلقة وصل مابين القارئ العربي والغربي والإثيوبي أيضاً، وهو مساهمة في اخراج القصة الاثيوبية المكتوبة باللغات المحلية من عزلتها التي هي نتيجة لجدران اللغة وهي أيضا جزءٌ من عُزلة الأدب الاثيوبي بصورة عامة.

،،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates