مقالات

اجتماع أديس الخمر القديم في قناني جديدة ام بارقة أمل

منتصر بابكر حمد- كاتب سوداني

الراصد الإثيوبي- السويد

الثلاثاء 24 أكتوبر 2023

عندما اندلعت التظاهرات في ديسمبر ٢٠١٨ واسهمت في انهاء حقبة حكم البشير ،استبشر السودانيين خيرا بحدوث تحول حقيقي نحو الحكم المدني الديموقراطي لينهي عقود من الحكم العسكري المؤدلج من لدن انقلاب النميري في ٢٥ مايو١٩٦٩ اليساري وانتهاء بانقلاب البشير ٣٠ يونيو ١٩٨٩ الإسلامي .
لكن لاحت خيبات الأمل حينما انفردت احدي القوي التي قادت الحراك الثوري (قوي الحرية والتغيير )، بالتفاوض مع المكون العسكري واقصت كل القوي الحية الآخري التي شاركت في عملية التغيير، السلوك الاقصائي هذا جعل من قحت والعسكر صاحبي الحق المقدس في التقرير بشأن مالات ما بعد حكم البشير، وبالتفاوض الثنائي هذا منحت قحت اللجنة الأمنية للبشير شرعية سياسية ،وذلك بالاعتراف بدورها السياسي في تشكيل المشهد السياسي واليات كيفية الانتقال للحكم ما بعد التغيير.

انتجت عملية التفاوض هذه وثيقة مشوهة عرفت بالوثيقة الدستورية رسخت لحكم الطرفين دون سائر القوي الآخري، و ذلك خلافا لما تعارفت عليه قوي السودانيين السياسية عقب ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ وابريل١٩٨٥ ،حيث كان العسكر مجرد حراس لعملية التغيير وتسليم السلطة للشعب عبر الانتخاب لعل تجربة الفريق عبدالرحمن سوار الذهب صارت أنموذج يحتذي به .
إصرار قوي الحرية والتغيير علي إقصاء الآخريين وتمسكهم بالسلطة أصاب الثورة بزلزال قاتل ،ومازالت آثار هزاته الارتداديه تدمر في مستقبل الحكم في السودان .

اصبح العسكر هم المسيطر علي مالات الامور وتمددوا في مساحات القوي السياسية صاروا اصحاب دور سياسي ولهم علاقات خارجية ومصالح اقتصاديه وهذا يمثل تغول علي دور القوي المدنية .
أخفقت قوي الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مره اخري في تقديراتها السياسية ،وذلك باصرارها علي التمادي في الانفراد بالحكم و انفرادها بالتفاوض مع المكون العسكري ..حينما صدرت قرارات الخامس والعشرون من أكتوبر ٢٠٢١ والتي مثلت المسمار الأخير في نعش الشراكة البائسة بين قحت والعسكر ورسخت لحكم عسكري محض مع تمثيل باهت لجناح من قحت (التغيير الديمقراطي).

ادي استمرار ذات النهج القديم الاقصائي في الوصول الي صيغة الاتفاق الاطاري الذي أوصلنا في ١٤ أبريل ٢٠٢٣ الي الحرب، التي هدمت المعبد فوق راس الجميع خدمة لأهداف قوي خارجية لا تمثل اي من رغبات وامنيات السودانيين التي خرجوا من أجلها في ديسمبر ٢٠١٨.
حاولت قوي الحرية والتغيير عبر تحالفها مع قوات الدعم السريع من أجل انفاذ الوثيقة الدستورية العودة بالشباك إلي الانفراد بالحكم مرة اخري .
واليوم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يجتمع شمل بقايا قوي الحرية والتغيير ناقصا مع بعض القوي المدنية الآخري وناقصا لحزب البعث ،لتكوين جبهة وطنية لاستعادة الحكم المدني وإيقاف الحرب هكذا هي الافته الجديدة التي رفعتها قحت المجلس المركزي هي نفس الشعارات القديمة لكن تحت رايات جديدة .
هذا التداعي الذي تشهده أديس ابابا ما لم يحتوي علي مشروع وطني خالص حقيقي متجاوز للمصالح الذاتية والحزبية فمصيره الفشل ،كما فشلت تجربة قحت لان الهدف والغاية كانت السلطة لا غير وإقصاء الآخرين ،ما لم يتجدد المحتوي والهدف خصوصا ان العسكر الان وبحكم الأمر الواقع هم المتحكم في توجيه الدفه نحو الشاطي الذي يحبون أن ترسو فيه سفينة مستقبل الحكم ، الفريق عبدالفتاح البرهان في خطابه المشهود في الجمعية العامة للأمم المتحدة أوضح ملامح توجه العسكر لمرحلة ما بعد الحرب نحو حكومة كفاءات وطنية تقود الفترة الانتقالية حتي إجراء الانتخابات العامة ..
السودانيين بعد ان اوردتهم تجربة الوثيقة الدستورية وقرارات ٢٥ أكتوبر و الإتفاق الاطاري المهالك اصبح المزاج العام عندهم رافض لتكرار ذات المشاهد و رافض لأطرافه خصوصا القوي المدنية .
العسكر رغم مآسي الحرب لكنها جملت قليلا من صورتهم عند السودانيين والتفوا حولهم.
علي المجتمعين في أديس أبابا الاتعاظ من تجاربهم في الماضي القريب ،ان هم طمعوا في دور فاعل في الحياة السياسية السودانية.
لن يرتشف السودانيون ذات الخمر الذي ذاقوا مرارته في الاربع سنوات الاخيرة وان جاء في قناني جديدة.
فجزوة الامل لن يحيها عندهم إلا مشروع وطني جامع يتراضي عليه الجميع .

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates