مقالات

إتفاق السلام الأثيوبى وأثره على السودان والقرن الإفريقى

عمار العركي

عمار العركى – كاتب صحفي

الراصد الإثيوبي- السودان

الثلاثاء 21 مارس 2023

* في أوج الإحتقان الأثيوبي المصرى والسوداني بسبب سد النهضة وحالة الاستقطابات الحادة التي تقوم بها الاطراف المتنازعة لكسب دول وقوي في المنطقة الي جانبها ، والتوجس المُشبع بسوء النية بين جيبوتي وأرتيريا من ناحية أخرى والخلاف الكيني الصومالي/ السوداني الأثيوبي بسبب النزاع حول الحدود ، والحرب الداخلية في أثيوبيا بين الحكومة المركزية وإقليم جبهة التقراي والتي ألقت بآثارها السالبة علي كل دول الجوار الأثيوبي وفتحت الباب علي مصرعيه أمام التدخلات الخارجية إلي جانب صراع النفوذ المتصاعد بين القوي الدولية والاقليمية علي المنطقة من ناحية ثالثة، كل هذا جعل من أثيوبيا  التي تعد القاسم المشترك ومحور ارتكاز الأزمات مهددا لإستقرار كل منطقة القرن الإفريقي .

– التأثير الأثيوبي على المنطقة ،  واحد من إفرازات العلاقات المعقدة في القرن الأفريقي، والتي تتسم بوجود منافسات عميقة الجذور في تاريخ العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي في منطقة يمزقها الصراع، اشتهرت على مدى عقود بالحروبات الأهلية والصراعات وضعف التنمية الاقتصادية.

– كانت إريتريا وإثيوبيا في حالة حرب لسنوات،  تشترك إثيوبيا والصومال أيضًا في تاريخ من المواجهات العنيفة،كذلك إرتريا وجيبوتي ، لكن انتهاء حالة الصراع وابرام اتفاق السلام الشامل بين اثيوبيا وارتريا أدى الي تحولات وديناميكية جديدة في المنطقة ، تبعتها الثورة في السودان ، واسهمت وساطة أثيوبيا في انجاز التوافق بين الفرقاء مما أتاح لأثيوبيا تعزيز ذلك التأثير.

– حين إتفاق السلام الشامل  ، كان لدينا وجهة نظر ناقدة له ، نظرا لطبيعة الخلافات التاريخية والمتجذرة بين البلدين فانه من الصعوبة بمكان اقامة سلام وتعاون دائم  فى غضون ثلاثة أشهر بضغوط خارجية لان الخلاف الأثيوبي الأرتري أكبر وأعمق من النزاع الحدودي حول  (بادمي) الذي بُني عليه السلام ، ولكن دوافع وطموحات رئيس الوزراء أثيوبيا الجديد وقتها  (أبي أحمد) وسعيه لتحقيق شعار تصفير الصراعات والحروب كان له دور كبير ، وبالمقابل وبدهائه المعروف تغاضي الرئيس الإرتري (أسياسي أفورقي) عن إثارة جذور الخلافات التاريخية وقبل “تكتيكيا” بالمصالحة لتحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية أهمها رفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية المفروضة منذ العام 1998م، التسلل والعودة إلي الحظيرة الدولية، الحصول علي مثلت (بادمبي الحدودي) المتنازع عليه والمملوك لجبهة التقراي، العدو اللدود لأسياسي والذي لأحقا خطط ودبر للقضاء علي العدو المشترك (التقراي) ومن ثم تنفيذ إستحقاق الإتفاق بوضع يده علي المثلث التقراي ، ظنا بأن مسآلة حسم (التقراي) لن تأخذ وقتا طويلا ، ولكن جبهة التقراي لم تكن صيدا سهلا ، تطاولت الحرب وإفرزت سلبيات كثيرة ،  بحيث أصبحت مصدر قلق وتهديد إقليمي ودولى، الأمر الذى.عجل بضرورة المهادنة والحوار والاتفاق.

* مؤخرا زار أثيوبيا “انتونى بلينكن” ، فى زيارة هى الأحدث في سلسلة زيارات لأفريقيا قام بها كبار المسؤولين الأمريكيين حيث تتطلع الولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقات مع افريقيا عموما ،

* زيارة بلينكن وصفت بأنها ( تصالحية مع أديس بابا) ، حيث تسعى الحكومتان الأمريكية والأثيوبية  لإصلاح العلاقات بعد الخلاف بشأن الحرب في تيغراي

وقال بلينكن للصحفيين” هناك الكثير الذي يتعين القيام به. ربما يكون أهم شيء هو تعميق السلام الذي ساد في الشمال”، بدوره، قال ديميكي “لدينا علاقات طويلة الأمد وحان الوقت لتنشيطها والمضي قدما”.

* الزيارة تزامنت مع تحركات لتشكيل  سلطة مؤقتة لإقليم تقراي  برئاسة قيتاشوا ردا – الحائز على أعلى الأصوات لقيادة جبهة التقراي بديلا لدكتور ديبرصون  –  وفقاً لمصفوفة اتفاق سلام “بريتوريا” .. وإكمال بنود إتفاق السلام، وسط.أصوات داخلية معارضة لمنهجية الاتفاق ، وشخصية قيتاشوا ردا  ، أصوات تميل الى استمرار القتال (لانتزاع الحقوق السياسية عنوة) ، تحت ذريعة الحقوق الإنسانية ، خاصة المتعلقة بالشهداء الضحايا والمتضررين)

** ويحظى إتفاق السلام الإثيوبي بدعم الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، والإتحاد الإفريقي، الذين تعهدوا بتحقيق السلام  في إثيوبيا، وتعزيز العمل الإنساني في إقليم تقراي ودعمه،  الإقليم بما يحقق الاستقرار والسلام بكل المنطقة.

* أن اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في جنوب إفريقيا هو انتصار للسلام و يعزز الانتصار التاريخي للأثيوبيين الأبطال على الأرض.)، كان هذا اول تعليق صدر من رئيس الوزراء الأثيوبى د. (ابي احمد) غداة التوقيع على الاتفاق.، أعقبه بتصريح لاحق انه (لا يوجد سلام شرير ، او حرب جيدة) ،فمن السهل صناعة  الإنتصار ، ولكن من الصعب المحافظة عليه ، خاصة وان الاتفاق جاء بعد (ولادة متعثرة جدا)، وفى ظل تحديات ومخاطر تحيط به ، من كل جانب ، ولا زالت ،  فإن لم يتم تداركها والقضاء عليها فقد تتسبب فى الإنهيار والعودة لنقطة الصفر والمربع الأول ، ويكون الأمر شبيه باتفاق السلام الشامل بين اثيوبيا وارتريا –  الذى أشرنا له عاليه – (عدم تناول جذور المشاكل والصراع).

*  أبى أحمد يقود تحدى آخر من خلال مبادرته المعلنة عن (الحوار الوطني الشامل) ،  ودعوته للداخل الأثيوبى  بضرورة الجلوس والحوار لحل ازمات البلاد ، وذلك فى ظل وجود معارضة متطرفة لهذا التوجه الوطنى الواسع.، الذى يضر بمصالحها  الشخصية الضيقة.

* لضمان الخروج بالاتفاق لبر الأمان وضمان استدامته فلابد من التالى: –

*  على الأثيوبيين  الوعى. والإدراك  التام بأن هذا الاتفاق يتعدى اثيوبيا ، ليشمل كل دول المنطقة ، باعتبار أن الأوضاع فى اثيوبيا تنعكس مباشرة على دول، القرن الافريقى خاصة المجاورة لها ( السودان)، فبالتالى من مصلحة وفائدة السودان، وبالضرورة تقديم العون والمساعدة المطلوبة لإنجاح واستدامة الاتفاق

* الاتفاق بصورة عامة بعث برسائل في غاية الاهمية ، فى التاكيد على امكانية  حل الخلافات والنزاعات داخل البيت (الاثيوبي الافريقى) فبالتالى الجميع يراقب

ويتابع (الدرس الأثيوبى ) عن بُعد ، بغرض الإستفادة كمنهج اقليمي لحل   الازمات والخلافات الداخلية ، وكيفية تقديم التنازلات الكبيرة ، من اجل هدف أكبر وهو ( الوحدة والسلام).

* كذلك، بالضرورة على الأثيوبيين الإنتباه الى سلبيات وثغرات إتفاق السلام الشامل مع إرتريا ، وعدم عزل الأطراف الأخرى المؤثرة (ارتريا+ الأمهرة) لانه يؤدي الى تجدد الحرب ، فعزل (جبهة التقراي) عن اتفاق سلام ، كان سبب للحرب الأخيرة ،

*حتي يحافظ الاثيوبيين علي

رفع معدل (الارادة السياسبة والثقة بين الطرفين ) كمناعة ومقاومة ( للأجسام المضادة) لان ما توفر منها حتى الان غير كافي لحماية وتأمين السلام الوليد ، والذي سيتعرض لتحديات و و(استهداف) من جهات واطراف اخرى ،

*هذا الامر مهم،  حتي لا يحدث فراغ ومساحات وتباعد يمكن ان يستغل في تحريك ( الفتنة وتغذية المخاوف والشكوك ).

* الولايات المتحدة وشركاء السلام ، مطلوب منهم مزيد.بذل الجهود السياسية والضغط على (إرتريا والأمهرة)، لضمان عدم المساس والتعرض للاتفاق ، كذلك ضرورة إيفاء الشركاء  بالإلتزامات والوعود.بالدعم الإنسانى المادى والفنى.

* تظل مآلات الاوضاع في القرن الإفريقي مرهونة بشكل أساسي بالتطورات التي تشهدها (أثيوبيا وإرتريا)، جراء مجريات و  تطورات  العملية السلمية  خلال المرحلة المقبلة. التي منها على سبيل المثال احتمال حدوث تغيير سياسي في إثيوبيا أو إريتريا نتيجة إجهاض العملية السلمية والعودة للمربع الأول ، الذى سيزيد من عدم    استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية وتصاعد النزاعات الإثنية، وتشكل التحولات الجارية في الداخل الإثيوبي وتصاعد النزاعات الإثنية، ومن ثَمَّ تهديد مستقبل اتفاق السلام مع إريتريا. * هذه الإحتمالية يزيد من وقوعها  وجود بعض التيارات في إثيوبيا ذات توجهات معارضة لعملية المصالحة، والتي لا يستبعد ان تدخل في مواجهة مع اسمرا، بالإضافة إلى اندلاع بعض الخلافات الإقليمية بين بعض دول المنطقة مثل النزاع الكيني الصومالي ، والسوداني الأثيوبي حول الحدود، واستمرار الخلاف الجيبوتي الإريتري على منطقة رأس دميرة. علاوة على موقف القوى الدولية والإقليمية من الأحداث الإقليمية في القرن الإفريقي .

* هنا يبرز سيناريوهين، بشأن مستقبل القرن الإفريقي إثر السلام و  الإستقرار فى أثيوبيا.

* السيناريو الأول نجاح وإستدامة العملية السلمية بعد تحييد وضم الأطراف الأخرى ( ارتريا+الأمهرة)، مما يساعد فى، إلى الحفاظ على مكتسبات اتفاق السلام الإقليمي في المنطقة واتساع نطاقه ليشمل جيبوتي- المتحفظة -التي هي جار مباشر لجميع الدول الثلاث المتحالفة اثيوبيا الصومال وارتريا، والحيلولة دون أية انتكاسة بشأنه؛ خوفًا من العودة إلى المربع الأول مرة أخرى.

* السيناريو الثانى فشل اتفاق السلام الأثيوبى ، وبالتالى إتفاق السلام الشامل ومساعى لتحالف الثلاثي بين  اديس ابابا واسمرا ومقديشو  وبوادر التكامل الاقليمي المؤسس علي مبادرة ابي احمد للتكامل والشراكة الاقتصادية بين كل من اثيوبيا وجيبوتي والصومال وارتريا وكينيا – مؤخرا تقدم السودان خطوات نحو هذا التكامل – بل نتوقع الانهيار الكامل لإتفاق السلام بين أديس ابابا واسمرا ، وعودة التوتر بينهما  واندلاع حرب جديدة بين البلدين، والتي ستؤدي بدورها ان حدثت إلي عودة الامور لمربع الصفر من جديد في منطقة القرن الافريقي.

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates