مقالات

المغرب الكبير ينتصر دبلوماسيًا… والحكم الذاتي يُرسّخ مغربية الصحراء ويفتح أفق الحوار مع الجزائر

ابراهيم أوول دي نيكير-كاتب جنوب سوداني 

الراصد الإثيوبي – جنوب السودان

الأثنين 3 نوفمبر 2025

سجّلت الدبلوماسية المغربية اليوم انتصارًا جديدًا في مسار طويل من الدفاع عن وحدة التراب الوطني، بعد أن باتت قضية الصحراء تُشكّل نموذجًا يُحتذى في الجمع بين الثبات على المبدأ والمرونة في الأسلوب. فالموقف الدولي بات أكثر وضوحًا من أي وقت مضى؛ إذ أصبح مقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب سنة 2007 هو الحل الواقعي والوحيد الذي يحظى بدعم متزايد من القوى الإقليمية والدولية، باعتباره صيغة متوازنة تُنهي نزاعًا طال أمده دون أن يمسّ بسيادة المملكة أو يهمّش سكان الأقاليم الجنوبية.
لقد كانت قضية الصحراء المغربية على مدى عقود هاجسًا وطنيًا يؤرق وجدان المغاربة جميعًا، ورمزًا لاختبار التلاحم بين العرش والشعب. واليوم، وبعد التحولات العميقة في مواقف عدد من الدول والمنظمات الدولية، أصبح المشهد أكثر نضجًا ووضوحًا؛ فالعالم يعترف بسيادة المغرب على صحرائه، ويعتبر مبادرته بالحكم الذاتي نموذجًا للواقعية السياسية والإرادة في تحقيق الاستقرار والتنمية بالمنطقة.
إنّ جوهر مشروع الحكم الذاتي المغربي لا يقوم فقط على منطق تسوية سياسية، بل يتجاوز ذلك إلى إرساء نموذج تنموي شامل يُعزز الاندماج الوطني ويرسّخ الانتماء عبر منح أبناء الصحراء صلاحيات حقيقية لإدارة شؤونهم المحلية في إطار السيادة المغربية والوحدة الترابية.
وتشهد الأقاليم الجنوبية اليوم طفرة اقتصادية غير مسبوقة، إذ تحوّلت مدن مثل العيون والداخلة إلى أقطاب جذب استثماري وسياحي واستراتيجي نحو إفريقيا. كما أصبحت الصحراء المغربية نموذجًا للحوكمة المحلية والتنمية المستدامة، بفضل المشاريع الكبرى التي أُطلقت في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والصيد البحري والتجارة.
هذا المسار يؤكد أنّ الحكم الذاتي ليس مجرد ورقة سياسية، بل مشروع دولة ورؤية ملكية تسعى إلى تحويل الأقاليم الجنوبية إلى قاطرة للتكامل الاقتصادي الإفريقي والمغاربي، وإلى ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي في منطقة الساحل والصحراء.
لقد آن الأوان، بعد هذا النجاح الدبلوماسي المغربي، لإعادة ترتيب الأولويات الداخلية عبر تعزيز الوحدة الوطنية ورتق النسيج الاجتماعي المغربي، بما يضمن توزيعًا عادلاً للثروة ومشاركة سياسية أوسع لأبناء الصحراء في مختلف المؤسسات الوطنية.
إنّ بناء وطن متوازن في تنميته، متكامل في مكوناته، هو أفضل ردّ على كل محاولات التشكيك أو الانفصال.
وفي الوقت ذاته، تفتح المرحلة الراهنة نافذة أمل حقيقية للحوار بين المغرب والجزائر، بعد عقود من التوتر والجمود. فالمستقبل المغاربي لا يمكن أن يُبنى على القطيعة، بل على التعاون والاحترام المتبادل. والواقع الجيوسياسي الراهن، بما يحمله من تحديات أمنية واقتصادية مشتركة، يفرض على البلدين أن يُدركا أنّ المصير واحد وأن الخلافات مهما طال أمدها ليست قدرًا محتومًا.
تملك كل من الرباط والجزائر رصيدًا تاريخيًا من الروابط الإنسانية والثقافية التي يمكن أن تشكّل قاعدة متينة لتجاوز إرث الخلافات. ويبدو أن المناخ الدولي والإقليمي الحالي يشجّع على فتح صفحة جديدة من حسن الجوار، خصوصًا في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، وحاجة الاتحاد المغاربي إلى انبعاث جديد قائم على المصالح المتبادلة لا على الخصومات القديمة.
إنّ المغرب أبدى مرارًا انفتاحًا صادقًا ورغبة حقيقية في مدّ اليد، مؤكدًا أن قضية الصحراء يمكن أن تكون منطلقًا للتعاون بدل أن تبقى ذريعة للانقسام. فالانتصار الدبلوماسي للمغرب لا يعني الإقصاء، بل يُعبّر عن ثقة وطنية راسخة تسمح بالانفتاح والحوار دون تنازل عن الثوابت.
لقد تحققت الخطوة الأصعب في تثبيت مغربية الصحراء، وبقيت الخطوة الأجمل: بناء مغربٍ موحّدٍ مزدهرٍ يمدّ يده لجيرانه بروح الأخوة والمصير المشترك. فالحكم الذاتي اليوم ليس فقط حلًّا سياسيًا، بل هو فرصة لتجديد معنى الوطنية المغربية في بعدها التنموي والإنساني والإفريقي.
إنّ المستقبل المغاربي الآمن والمزدهر يبدأ من المصالحة المغربية الجزائرية، ومن الإيمان بأنّ ما يجمع الشعبين أكثر بكثير مما يفرّقهما. وعندما تُفتح الحدود وتُستعاد الثقة، سيكتشف الجميع أنّ النصر الحقيقي ليس في كسب قضية، بل في كسب مستقبلٍ مشترك يسوده السلام والتعاون والتنمية.

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

انعقاد مؤتمر الضاد في نواكشوط احتفاءً باللغة العربية وعرس للكلمات – الراصد الاثيوبي – ETHIO MONITOR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates