مقالات

انعقاد مؤتمر الضاد في نواكشوط احتفاءً باللغة العربية وعرس للكلمات

 ابراهيم أوول ولد نيكير -نائب مدير الإعلام
بالمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا

الراصد الإثيوبي -مورتانيا 

الأحد 2نوفمبر 2025 

كانت نواكشوط في أواخر أكتوبر مهوى أفئدة للناطقين بالعربية والناطقين بغيها من اللغات الإفريقية معًا، حيث التأم الجمع تحت راية الضاد في مؤتمرٍ علميٍّ دوليٍّ فريدٍ، نظّمه المجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، ليكون منارةً مضيئة في مسيرة العربية على امتداد القارة، ومحطةً تاريـخية تسجّل في ذاكرة الفكر والوجدان.

في رحاب العاصمة الموريتانية، اجتمع ممثلو نحو أربعين دولة إفريقية ومنظمات علمية وثقافية تُعنى بنشر اللغة العربية وتعليمها، فكان اللقاءُ مهرجانًا للعلم والهوية، وعرسٌ للكلمات ومأدبةً عامرةً بالفكر والإبداع والتجارب.
وتداول الباحثون أوراقًا علمية رصينة جاءت كمبضع النطّاس البارع، تُشخِّص الواقع، وتكشف مواضع الضعف، وتستخرج الدواء من جوف الداء، فانبثقت منها رؤى عميقة تُنير الدرب أمام روّاد التعليم والتخطيط اللغوي في إفريقيا.

ولم يكن الحضور مجرّد مؤتمرٍ علمي، بل عرسًا لغويًّا وثقافيًّا جمع بين نبض الأكاديميين وأصالة الشعراء، بين الفكر والمنبر، وبين حروف الضاد وأصوات العزف الموريتاني العذب على أوتار الحكاية والوفاء.

لقد أبدع مجلس اللسان العربي في موريتانيا في حسن الترتيب وكرم الاستقبال، فكان كريماً في الضيافة، أنيقاً في التنظيم، باسماً في الحفاوة، حتى شعرنا أن نواكشوط فتحت قلبها قبل قاعاتها لاستقبال ضيوف العربية.
وأتحفونا شعرًا فاض عذوبةً ورقّة، وأوقدوا فينا جمرة الحنين إلى الضاد، فتفاعلنا معهم بقلوبٍ ممتلئةٍ اعتزازًا، وألسنٍ تردد حبًّا، وعيونٍ تبرق فخرًا بموريتانيا وأهلها، أولئك المرابطين على ثغرة الأطلسي، الحراس الأوفياء على أسوار اللغة والهوية.

لقد كان لقاء نواكشوط لقاء الروح باللغة، وعرسًا للهوية، وميثاقًا جديدًا بين أبناء إفريقيا على نصرة العربية ونشرها في كل ركن من أركان القارة.

إن الحديث عن الشيخ العلامة الخليل النحويّ حديث عن رجلٍ جمع بين عُمق العالم، وبيان الأديب، ونبل المربي، وسمت العالم الربّانيّ.
هو شجرة علمٍ ضاربة الجذور في أرض موريتانيا المحروسة، وأغصانها تمتدّ لتظلّل سماء العروبة والإسلام.

بصوته الهادئ وحكمته الراسخة، جمع بين العلماء والأدباء، فكان لسان الضاد في أرض شنقيط، وضميرها الثقافيّ المتّقد.
ومن مجلسه تنبع الفكرة، وتُستولد المبادرة، وتُسقى اللغة العربية بماء الإيمان والعلم والهوية.

لقد كانت رحلة موريتانيا قصة حج من نوع آخر حيث تقاطرت الوفود من كل فج عميق وان كانت كذلك فقد كان المضيف هو الركن الأخير وطواف إفاضتنا فقد حمل الشيخ الخليل النحويّ همَّ العربية في قلبه، ينافح عنها في المنابر، ويصوغ من بيانه دررًا تذكّر بتراث الجاحظ وسيبويه وابن خلدون.
وهو في شخصه جامعةٌ من الفضائل، وأمةٌ من الجهد الصادق، إذ جمع بين الأصالة الموريتانية والعقلية الموسوعية التي ترى في العربية رسالة حياة، لا لغة فحسب.
نشهد له — ونحن ضيوف في نواكشوط — أنه كان الأب الحاني، والعالم الراعي، والوجه المضيء للثقافة الموريتانية والعربية، يقود الجمع بوقارٍ العالم ودفء الإنسان.
سلامٌ عليه يوم نطق بالحرف دفاعًا عن العربية، ويوم حمل همّها في المجامع والمؤتمرات، ويوم يورّث حبها للأجيال المقبلة في كل ركن من أرض إفريقيا والعالم العربي.

وختامًا، نرفع الأكف شكرًا لكل من أسهم في إنجاح هذا اللقاء، ونقول من أعماق القلب:
كان لقاءً تاريخيًا، ومؤتمرًا مشهودًا، وسعيًا مشكورًا.
وإلى لقاءٍ قريبٍ، بإذن الله، على درب الضاد ومحرابها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates