مقالات

لقاء البرهان وبلعيش.. وبيان الاتحاد الإفريقي يرسم مسار السودان إلى أديس أبابا.. وعلى القاهرة التفهم

عمار العركي-كاتب سوداني 

الراصد الإثيوبي – السودان 

الأربعاء 30 يوليو 2025 

▪️عودة السفير المغربي محمد بلعيش إلى السودان ممثلًا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي لم تكن مجرّد خطوة بروتوكولية أو إدارية، بل مثّلت تحوّلًا سياسيًا لافتًا في خطاب الاتحاد الإفريقي تجاه السودان. فالرجل، الذي طالما اتُّهم بانتهاج الخط الرمادي والتواطؤ الضمني مع قوى التمرّد، خرج من لقائه الأخير مع الفريق أول البرهان بلغة غير مسبوقة، واصفًا عمليات الجيش السوداني ضد التمرّد بأنها “محمدة”، في تعبير يعبّر عن انزياح صريح نحو تأييد الشرعية الوطنية.
▪️هذا التحول في الموقف الإفريقي، وإن بدا مفاجئًا، إلا أنه نتيجة لمجهودات دبلوماسية متراكمة قادها كل من وزير الخارجية السابق د. علي يوسف، ومندوب السودان لدى الاتحاد الإفريقي السفير الزين إبراهيم، وأثمرت عن كسر حالة الجمود، وتهيئة الأرضية لتحول سياسي داخل أروقة الاتحاد، لا سيما في ظل تولي شخصية جديدة لرئاسة المفوضية، وهو الجيبوتي محمود علي يوسف، خلفًا لموسى فكي.
▪️بلعيش لم يُغيّر لهجته من فراغ، وإنما نتيجة لإدراك إفريقي متزايد بضرورة الوقوف ضد المشاريع التفتيتية في السودان، ولتزايد القناعة بأن قوى التمرّد، التي تسعى لحكومة موازية، باتت تهدد مجمل الأمن الإقليمي، وليس فقط وحدة السودان.
ما بعد بيان الاتحاد الإفريقي: المواجهة السياسية تبدأ من الداخل
▪️بيان مجلس السلم والأمن الإفريقي الأخير، الذي أدان بشكل صريح إعلان تشكيل الحكومة الموازية من قبل تحالف “تأسيس” بقيادة قوات الدعم السريع، يشكّل مكسباً سياسياً مهماً للحكومة الوطنية، وفرصة لمزيد من التراكم في رصيدها الخارجي، إذا ما تم توظيفه بفاعلية في إطار حملة دبلوماسية نشطة.
▪️لكن هذا المكسب، رغم أهميته، ليس نهاية المعركة، بل بدايتها. فـ”تأسيس” والقوى الإقليمية الداعمة له، ستواصل محاولاتها لاختراق المؤسسات الإفريقية عبر خطاب مزيف يحاكي الديمقراطية والسلام، فيما الحقيقة على الأرض تشير إلى تمرد مسلح يرتكب جرائم واسعة ضد المدنيين.
▪️من هنا، فإن البناء على موقف الاتحاد الإفريقي يتطلب تعبئة سياسية داخلية موازية، تعزز خطاب الدولة، وتفضح تناقضات خطاب المتمردين. كما يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين المؤسسات الرسمية، خاصة الخارجية والمخابرات العامة، لإعداد ملفات موثقة تُعرض على الدول الإفريقية المؤثرة، وتكشف حقيقة ما يجري، خارج إطار البيانات الإعلامية العابرة.
الجزائر على أعتاب رئاسة مجلس السلم والأمن: فرصة لا تعوّض
في هذا السياق، تأتي التطورات داخل الاتحاد في توقيت ذهبي بالنسبة للخرطوم، و48 ساعة تفصل الجزائر من تسلم رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي مطلع أغسطس المقبل. الجزائر، بما تمثله من ثقل دبلوماسي وتاريخ راسخ في مناهضة التدخلات الأجنبية، ستكون في موقع مثالي لدعم الموقف السوداني، لا سيما مع تلاقي الرؤى حول ضرورة حماية الشرعية ومحاربة مشاريع التقسيم.
▪️على الحكومة السودانية أن تبادر، سريعًا، بفتح قناة اتصال مباشر مع الجزائر، واستثمار لحظة التوافق النادرة هذه داخل الاتحاد، لحشد دعم سياسي وعملي يترجم بيان الاتحاد الافريقي الأخير إلى خطوات تنفيذية: مزيد من الاعتراف بالشرعية، ضغط على الأطراف المترددة، وعزل للمشروع الانقلابي إقليميًا ودوليًا.
▪️كما يمكن البناء على هذه الرئاسة الجزائرية لإطلاق مبادرة سياسية إفريقية – برعاية مجلس السلم والأمن – تستهدف تسوية شاملة للوضع السوداني، وتمنع تكرار السيناريوهات الليبية أو الصومالية في قلب وادي النيل.
نحو أديس أبابا.. ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل
بالتالي ،وبحسب هذهوالمعطيات . الفرصة الاستراتيجية متاحة الآن على طاولة الاتحاد الإفريقي تستدعي تحركاً دبلوماسياً سريعاً ومدروساً باتجاه أديس أبابا. فالتطورات الراهنة على مستوى مجلس السلم والأمن الإفريقي، واقتراب الجزائر من تولي رئاسته خلال الساعات القادمة، تشكّل نافذة حقيقية يجب ألا تُفوّت.
▪️وبعيداً عن منطق انتظار اكتمال الترتيبات الحكومية الداخلية، فإن التحرك نحو أديس أبابا في هذا التوقيت يحمل من المكاسب السياسية والرمزية ما يعزز شرعية الحكومة، ويعيد تموضع السودان في الفضاء الإفريقي من بوابة المؤسسات الرسمية، لا من خلال منابر “التمرد السياسي” و”الاختراق الدبلوماسي” التي تسعى بعض الجهات لتكريسها.
▪️وفي الوقت الذي يتطلب فيه المشهد الإقليمي تركيز الجهود على دعم المسار الإفريقي، فإن على القاهرة، الشريك التاريخي للسودان، أن تتفهم هذه التحولات الجديدة، وتتناغم مع ديناميكية الاتحاد الإفريقي لتحقيق الاستقرار وتعزيز شرعية الحكومة الوطنية.
▪️إن زيارة الدكتور كامل إدريس، أو حتى مبعوث رفيع عنه برفقة وزير الدولة بالخارجية، إلى مقر الاتحاد الإفريقي، ستكون بمثابة رسالة قوية على الجاهزية والانفتاح والتفاعل مع المحيط، وتفتح الباب لتوسيع دائرة الدعم الإقليمي للحكومة وتفكيك العزلة المفروضة بفعل الحملات المنظمة التي تقودها أطراف داعمة للتمرد المسلح.
ضرورة التماسك الرسمي وتوسيع دائرة التمثيل الخارجي
▪️أحد مكامن الضعف التي قد تستغلها بعض الجهات المناوئة هو التأخر النسبي في تكوين الحكومة بالكامل، أو بقاء بعض المواقع الدبلوماسية الحساسة دون شاغلين رسميين. ومع أن هذا الأمر له مبرراته السياسية والفنية، إلا أن التعامل معه يستوجب مقاربة ديناميكية، لا انتظار اكتمال كل شيء.
▪️يمكن – بل يجب – التحرك بخيارات بديلة مؤقتة لتأمين الحضور الدبلوماسي السوداني في المحافل الإقليمية والدولية، عبر انتداب مبعوثين خاصين، وتفعيل شبكات السفراء السابقين، وإشراك رموز وطنية ذات قبول إقليمي واسع. فالمعركة الدبلوماسية اليوم لا تحتمل غياب أي صوت داعم، خصوصاً مع استمرار أطراف “تأسيس” في التحرك المنظم والمدعوم خارجياً.
الرهان على أفريقيا: المعركة ليست في نيويورك فقط
▪️من الخطأ اختزال الجهد الدبلوماسي في المراهنة على مواقف الدول الغربية أو مؤسسات الأمم المتحدة. المعركة الأساسية هي في القارة الإفريقية، حيث يجب كسب الرأي العام الإفريقي، والتأثير في مواقف الدول المحورية مثل الجزائر، نيجيريا، جنوب إفريقيا، وكينيا.
▪️بناء تحالف إفريقي داعم لموقف الحكومة السودانية سيكون صمام الأمان في مواجهة أية محاولات لتدويل الأزمة أو فرض تسويات غير واقعية. ومن هذا المنطلق، فإن إرسال وفود رفيعة إلى هذه العواصم يجب أن يكون ضمن أولويات المرحلة القادمة، مع إعداد ملفات بلغة إفريقية، لا بلغة استعطاف غربية.
خلاصة القول ومنتهاه :
▪️إن ما تشهده الساحة الإفريقية من تحولات في الخطاب والمواقف تجاه الأزمة السودانية، بدءًا من بيان مجلس السلم والأمن الإفريقي، ومرورًا بمواقف بلعيش الأخيرة، وانتهاءً برئاسة الجزائر المرتقبة للمجلس، يُمثل لحظة مفصلية يجب التقاطها بأقصى سرعة وفاعلية. ففي عالم السياسة، التوقيت هو كل شيء، وتَباطؤ الخطى قد يُفقد السودان فرصة إعادة التموضع داخل المنظومة الإفريقية.
▪️إن التحرك المبكر والمدروس نحو أديس أبابا، حتى قبل اكتمال تشكيل الحكومة، ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية لحماية السيادة، وتأكيد الشرعية، وعزل قوى التمرد إقليميًا ودوليًا. لا وقت للانتظار، ولا مجال للتردد.

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

نيران على تخوم السودان: هل يعود شبح المواجهة في القرن الإفريقي؟ – الراصد الاثيوبي – ETHIO MONITOR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates