مقالات

نيران على تخوم السودان: هل يعود شبح المواجهة في القرن الإفريقي؟

قراءة في التوتر الإثيوبي – الإريتري وتداعياته على أمن الإقليم وحدود السودان خبر وتحليل – عمار العركي

عمار العركي-كاتب سوداني 

الراصد الإثيوبي -السودان 

الجمعة 25 يوليو 2025 

تشهد منطقة القرن الإفريقي مجددًا حالة من القلق والترقّب، مع تجدد التصعيد في الخطاب السياسي والاتهامات المتبادلة بين إثيوبيا وإريتريا، بما يعيد إلى الأذهان مراحل التوتر الحاد التي سبقت النزاع الشهير بين البلدين قبل عقدين. ما يميز هذا التوتر الجديد أنه يتقاطع مع ظروف إقليمية مضطربة، وأزمات داخلية في أكثر من دولة، لا سيما السودان الذي يتأثر أمنه القومي مباشرةً بأي تطورات على حدوده الشرقية.

أولاً: ملامح التوتر المتصاعد

خلال الأسبوع الأخير، أطلق الرئيس الإريتري أسياس أفورقي تصريحات قوية في لقاء موسّع بالعاصمة أسمرا، تضمنت نقدًا مباشرًا لسياسات الحكومة الإثيوبية، لا سيما فيما يتعلق بملف البحر الأحمر، ملوّحًا بوجود ترتيبات تجري دون شفافية، تشمل أطرافًا إقليمية وخارجية. وذهب أفورقي أبعد من ذلك، محذرًا من ما سماه “تحالفات إقصائية” تهدد أمن إريتريا وسيادتها، ملمّحًا إلى دور كل من إثيوبيا والإمارات في تلك الترتيبات، دون تسميتهما صراحة.

ورغم أن الحكومة الإثيوبية لم ترد رسميًا على هذه التصريحات، فإن ما تلاها من تحركات عسكرية ودبلوماسية أعاد إلى الواجهة أسئلة كبرى حول مستقبل العلاقة بين الجارتين، ومستوى التنسيق أو التباين بين أديس أبابا وأسمرا.

ثانيًا: تبادل الاتهامات واستدعاء التاريخ

التوتر الحالي ليس وليد اللحظة، بل يُقرأ في سياق معقد من التداخلات، إذ سبق أن شهدت العلاقة بين البلدين فصولًا متعددة من التحالف والصراع، كان أبرزها التنسيق العسكري خلال الحرب ضد جبهة تحرير شعب تيغراي، ثم ما أعقبها من فترات برود وتباين في المواقف.

ما يُقلق مراقبي الإقليم أن الخطاب الأخير لأفورقي أعاد للواجهة خطاب “الاستهداف الخارجي”، الذي ظل حاضراً بقوة في أدبيات السياسة الإريترية، متهمًا بعض الدول بمحاولة فرض أجندات على حساب الأمن والسيادة. في المقابل، بدت إثيوبيا، حتى الآن، حريصة على عدم الانزلاق في تصعيد إعلامي، وهو ما يُقرأ من بعض الزوايا كمؤشر على رغبة في امتصاص التوتر أو تأجيل الانفجار.

ثالثًا: مؤشرات ميدانية.. زيارات عسكرية متسارعة

من بين أبرز المؤشرات الميدانية التي تؤكد وجود حالة تعبئة غير معلنة، زيارة رئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي الأسبوع الماضي إلى دولة الإمارات، أعقبها زيارة قائد سلاح الطيران الإثيوبي خلال هذا الأسبوع. ووفقًا لمصادر دبلوماسية وإعلامية متقاطعة، فقد بحث الوفدان ملفات ذات طابع عسكري وأمني، وسط تسريبات عن اهتمام إثيوبي بتعزيز قدرات الطيران الدفاعي والهجومي في المرحلة المقبلة.

وتكتسب هذه الزيارات دلالة خاصة في ظل تزامنها مع تصريحات أفورقي، التي وُصفت بأنها أشبه بـ”جرس إنذار”، يعبّر عن مخاوف من ترتيبات محتملة تستهدف التوازنات الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي عمومًا.

رابعًا: سابقة الطائرات المسيّرة

واحدة من المحطات التي يستدعيها المراقبون عند تحليل العلاقة بين إثيوبيا والإمارات في السياق العسكري، هي لحظة الاستعانة بالطائرات المسيّرة خلال ذروة الصراع مع جبهة تحرير تيغراي. فقد لعبت المسيّرات دورًا حاسمًا في وقف تمدد قوات الجبهة التي كانت على مشارف العاصمة أديس أبابا، قبل أن تُجبر على التراجع إلى حدود إقليمها. هذه السابقة تعزز الاعتقاد بأن إثيوبيا ربما تعمل على تعزيز هذا النوع من التعاون العسكري مجددًا، لا سيما في حال تطوّر الخلاف مع أسمرا إلى مرحلة المواجهة المفتوحة.

خامسًا: السودان… القلق الصامت

بالنسبة للسودان، فإن أية مواجهة محتملة بين إثيوبيا وإريتريا لا تعني مجرد اضطراب بعيد في شرق القارة، بل تمثل تهديدًا مباشرًا لأمنه الوطني. فالسودان يشترك مع الدولتين بحدود جغرافية واسعة، تتسم بحساسية شديدة نظرًا لما تشهده من حركة لاجئين وتداخلات أمنية وتجارية غير منظمة، فضلاً عن أن الحرب الحالية في السودان أصلاً تُثقل كاهله وتُربك حساباته الإقليمية.

أي اشتعال على جبهة إريتريا – إثيوبيا سيعني بالضرورة تدفقًا جديدًا للاجئين، وربما تسللًا لمجموعات مسلحة، ما يضاعف الأعباء الأمنية والاقتصادية والإنسانية على السودان، ويهدد استقراره الهش.

سادسًا: هل هي حرب استباقية أم صراع مصالح؟

ثمّة من يرى أن التصعيد الأخير ليس إلا محاولة من أسمرا لإجهاض أية ترتيبات إقليمية قد تُقصيها، خصوصًا في ملف البحر الأحمر، فيما يراه آخرون مؤشرًا على خشية إريترية من انبعاث تحالفات قديمة، وربما تقارب إثيوبي غير معلن مع بعض عناصر المعارضة الإريترية.

كما لا يمكن تجاهل ما راج سابقًا عن تقارب جزئي بين الحكومة الإريترية وبعض دوائر جبهة التقراي، في سياق محاولات إعادة التوازن بعد تباينات ما بعد الحرب.

خلاصة القول ومنتهاه

إن التوتر الإثيوبي – الإريتري لا ينبغي قراءته بمعزل عن الحراك الإقليمي الأوسع في منطقة القرن الإفريقي، حيث تتقاطع مصالح دولية ومحلية، في ظل فراغات أمنية وسياسية خطيرة. وأمام هذا المشهد المأزوم، فإن تفعيل قنوات الحوار، وبناء الثقة، وتجنّب التصعيد الإعلامي أو العسكري، تمثل أولويات قصوى، ليس فقط لأديس أبابا وأسمرا، بل لكل دول الجوار، وعلى رأسها السودان، الذي يدفع دومًا ثمن أية اشتعالات إقليمية قريبة أو بعيدة.

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

الرباعية الجديدة: تدويل الأزمة وموقف مبدئي يرفض المساواة بين الدولة والمليشيا – الراصد الاثيوبي – ETHIO MONITOR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates