غير مصنفمقالات

السودان وإثيوبيا: إشارات إيجابية في أفق العلاقة الثنائية

عمار العركي-كاتب سوداني 

الراصد الإثيوبي -السودان 

الجمعة 20 يونيو 2025 

* في لحظة إقليمية معقدة تمر بها المنطقة، تشهد العلاقات السودانية الإثيوبية مؤشرات إيجابية تؤذن بمرحلة جديدة من إعادة بناء الثقة وتوسيع مجالات التعاون. فقد استقبل وزير الدولة بوزارة الخارجية الإثيوبية، السيد حضرة أبيرا، السفير السوداني بأديس أبابا، الزين إبراهيم، بحضور مسؤولين بارزين يتقدمهم مدير عام الشؤون الإفريقية، السفير زرهون أبابا.
* اللقاء، الذي جاء بعد سلسلة من اتصالات وتحركات رفيعة، لم يكن مجرّد لقاء بروتوكولي. بل تميّز بصراحة ووضوح في التناول، ويُقرأ بوصفه خطوة محسوبة ضمن حراك سياسي مدروس، يعكس تطلعات البلدين لإعادة صياغة العلاقة على أسس واقعية وشراكة متوازنة.
من التوقيت إلى الرسالة… دلالات لا تخطئها العين
* اللقاء جاء في توقيت تتقاطع فيه تحديات داخلية وإقليمية، ويبدو واضحًا أن الجانبين يدركان ضرورة المواءمة بين السياسة والدبلوماسية والأمن في إعادة ضبط العلاقة.
* فالتوازي الملحوظ بين المسار الدبلوماسي الأخير ومسارات تواصل فني/أمني تم خلال الأسابيع الماضية، يعكس رغبة مشتركة في إرساء إطار تعاون شامل ومستدام، يُراعي توازن المصالح ويستوعب تعقيدات الجغرافيا والتاريخ بين البلدين.
السفير الزين: رؤية واقعية وتموضع استراتيجي
▪️في اللقاء، قدّم السفير الزين إبراهيم تهنئة للسيد الوزير، مع الإشارة إلى خلفيته الرفيعة واطلاعه العميق على خصوصية وثقافة السودان، بما يُعطي اللقاء بعدًا عمليًا وليس مجاملة دبلوماسية فقط.
* وبنبرة مسؤولة، طرح السفير أبرز التحديات التي تواجه الجالية السودانية في إثيوبيا، لا سيما من تأثّروا بالحرب في السودان، مشيرًا إلى جهود السفارة في تخفيف تلك الأعباء، ومن ذلك مشروع مركز الجوازات المرتقب إطلاقه في أديس أبابا، كخطوة خدمية وإنسانية تُقدّرها الجالية.
* وفي سياق إنساني رفيع، طالب السفير بإعفاء السودانيين الراغبين في العودة الطوعية من رسوم الإقامة، كخطوة تعبر عن روح التضامن والتكافل بين شعبي البلدين.
إثيوبيا… قراءة واقعية لأهمية السودان
* في المقابل، عبّر الوزير الإثيوبي عن تضامن بلاده مع السودان، مؤكدًا على عمق العلاقة بين الشعبين، وضرورة إبقاء القنوات مفتوحة، وتطويرها بما يحقق مصالح الجانبين.
* ويُقرأ تعيين السيد حضرة أبيرا، وهو من الشخصيات المطلعة والملمة بملف السودان ، في هذا المنصب الرفيع، على أنه رسالة إثيوبية تؤكد أن السودان حاضر في أولويات السياسية الخارجية الإثيوبية، وأن العلاقة مع الخرطوم تُدار بوعي استراتيجي لا بحسابات عابرة.
بعدٌ قاريّ لا يمكن تجاهله
* هذه الحراك الثنائي يتقاطع أيضًا مع تطورات إيجابية في مواقف بعض المؤسسات الإقليمية. فقد صدرت في الآونة الأخيرة إشارات مشجعة من مفوضية الاتحاد الإفريقي ومن داخل “الإيغاد”، تفيد بتفهم متزايد لمواقف السودان.
* ولا يمكن إغفال أن لإثيوبيا، بصفتها دولة مؤسّسة ومحورية في الاتحاد الإفريقي، دورًا مرجّحًا في إعادة دمج السودان في الفضاء الإفريقي الرسمي، وهو ما يجعل تطوير العلاقة مع أديس أبابا أمرًا استراتيجيًا، لا خيارًا دبلوماسيًا محضًا.
السودان… الرقم الصعب في معادلات الإقليم
* رغم ظروفه الاستثنائية، لا يمكن تجاوز السودان في معادلات الأمن الإقليمي. حدوده الطويلة مع إثيوبيا، وعمق الروابط بين المجتمعات المحلية، فضلاً عن تأثيره المباشر على استقرار دول الجوار، كلها تجعل منه شريكًا لا غنى عنه في أي حسابات تخص القرن الإفريقي.
* ويكفي أن نذكّر بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، الدكتور أبي أحمد، إلى السودان في بدايات الأزمة كاول رئيس افريقي يزور السُودان بعد اندلاع الحرب، باعتبارها إشارة نادرة لحسن النوايا، ويجب على الخرطوم أن تبني عليها لتحويل التقارب إلى مكاسب مستدامة.
خلاصة القول: تتويج سياسي مطلوب
* المطلوب الآن هو الانتقال من المؤشرات الإيجابية إلى خطوة سياسية سيادية متقدمة، تُتوج هذا المسار بتفاهمات رفيعة أو زيارات على أعلى مستوى، تعيد رسم خريطة التعاون بين البلدين، وتفتح المجال أمام شراكة أكثر نضجًا وأعمق أثرًا.
* فالعلاقات السودانية الإثيوبية ليست ترفًا دبلوماسيًا، بل خيارًا استراتيجيًا في زمن تتقلّب فيه المواقف وتُختبر فيه الإرادات.
* والتقارب مع إثيوبيا، إذا ما أُحسن إدارته، يمكن أن يُصبح بوابة السودان الكبرى نحو استعادة عمقه الإفريقي ومكانته الطبيعية داخل مؤسساته القارية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates