
“أفورقي يهاجم الخارج ويتجاهل الداخل: أكثر من 30 عامًا بلا خريطة طريق لإريتريا”
الراصد الأثيوبي- متابعات
الأحد 25 مايو 2025
في كل مناسبة وطنية، يُطل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بخطاب طويل يغلب عليه الطابع الإقليمي والهجوم على السياسات الدولية، وعلى رأسها الوضع في إثيوبيا، في حين يغيب الحديث عن التحديات الداخلية التي تواجه بلاده منذ عقود.
وبينما تستمر أسمرة في سياسة الانغلاق، تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة، دون أي إشارات رسمية إلى إصلاح أو تغيير. ويثير هذا النمط المتكرر من الخطابات تساؤلات متزايدة حول غياب رؤية تنموية ووطنية شاملة، وعمّا إذا كانت قضايا الإقليم تُستخدم كساترٍ لتجاهل الأزمات المتفاقمة داخل إريتريا نفسها.
وفي الذكرى الـ34 لاستقلال إريتريا، ألقى الرئيس أسياس أفورقي خطابًا تناول فيه التطورات الراهنة في منطقة القرن الأفريقي، مع تركيز خاص على الأزمة الإثيوبية التي تمثل نقطة محورية في الاستقرار الإقليمي.
أوضح أفورقي في خطابه أن إثيوبيا عانت لفترة طويلة من تدخلات خارجية متكررة أثرت بشكل عميق على مسيرتها السياسية والاجتماعية. وأشار إلى سياسات الولايات المتحدة التي استمرت لأكثر من 80 عامًا، والتي هدفت إلى تحويل إثيوبيا إلى وكيل إقليمي لخدمة مصالح القوى الكبرى.
وقال رغم موجات التفاؤل التي أعقبت ما وصفه أفورقي بـ”الإصلاح المزعوم” في إثيوبيا قبل 7 سنوات، لم تتوانَ القوى الخارجية التي ترى في هذا التوجه تهديدا لمصالحها، عن إطلاق سلسلة من الحروب تحت شعارات متعددة، تشمل قضايا المياه والنيل، والبحر الأحمر، ومحاولات الوصول إلى الموانئ البحرية، إضافة إلى إشعال النزاعات العرقية المختلفة.
وأشار أفورقي في خطابه إلى أن مطلب إثيوبيا بالوصول إلى البحر الأحمر يستخدم ذريعة لتأجيج الصراعات في المنطقة، مؤكدا أن استغلال مثل هذه القضايا الحساسة، بما فيها ملف المياه والنيل، كأدوات للتحريض على النزاعات، يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار القرن الأفريقي.
كما تناول أفورقي ما سماه الاستغلال السياسي لبعض الأيديولوجيات، مثل ما يُعرف بـ”أيديولوجية أوروماما” التي لا تعبر عن حقيقة شعب الأورومو، إضافة إلى الصراعات بين المجموعات القومية المختلفة مثل الكوشيين والساميين، واستغلال منطقة العفر كساحة لصراعات مفتعلة.
أكد أفورقي أن هذه المؤامرات لم تكلّف الشعب الإثيوبي إرادته الصلبة، الذي بدأ يعبر بوضوح عن رفضه للتدخلات الخارجية التي تعيق استقراره. وشدد على موقف إريتريا الثابت الداعم لأمن واستقرار إثيوبيا، ورفضها التدخلات الأجنبية التي تزيد تعقيد الأزمة.
ودعا الرئيس الإريتري القوى الخارجية إلى التوقف عن التدخل في الشؤون الإثيوبية، محذرا من استمرار استغلال بعض العناصر الداخلية لهذه التدخلات، ومناشدا الجميع إلى الابتعاد عن الأعمال التخريبية التي تهدد استقرار المنطقة.
ووصف مراقبون بالقرن الافريقي أن خطاب الرئيس الأريتري أسياس أفورقي فيه تناقض صارخ بين الحدة التي يهاجم بها الوضع في إثيوبيا، وبين صمته شبه التام حيال ما تعانيه بلاده من أزمات مزمنة. فبينما يخصص فقرات مطوّلة لتحليل جذور الأزمة الإثيوبية، والتدخلات الخارجية، والتعقيدات العرقية هناك، يتجاهل تمامًا الحديث عن واقع إريتريا الداخلي، الذي لا يقل تعقيدًا، بل ويعاني من شلل سياسي شبه كامل.
وبحسب المراقبون فإن أفورقي، الذي ينتقد النظام الفيدرالي العرقي في إثيوبيا بوصفه سببًا في الانقسام، يغض الطرف عن غياب أي نظام حكم تشاركي في بلاده، حيث لم تُجرَ انتخابات منذ الاستقلال، ولا يوجد دستور نافذ، ولا برلمان فعّال. في الوقت الذي يهاجم فيه افورقي تدخلات القوى الدولية في إثيوبيا، تعيش إريتريا عزلة دولية خانقة نتيجة سياساته، والعقوبات التي فُرضت عليها في مراحل مختلفة.
واشار المراقبون أن التناقض الصارخ في الخطاب يُظهر كيف يوظف أفورقي الأزمات الإقليمية كأداة لصرف الأنظار عن ملفات داخلية شائكة، بدءًا من تدهور الاقتصاد، ومرورًا بملف الحريات، وصولًا إلى ظاهرة الهجرة الجماعية التي حوّلت إريتريا إلى واحدة من أكثر الدول تصديرًا للاجئين في أفريقيا.